فصل: وصول السلطان محمد إلى بغداد واستبداده بالسلطنة والخطبة ومقتل أياز.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وصول السلطان محمد إلى بغداد واستبداده بالسلطنة والخطبة ومقتل أياز.

كان محمد بعد صلحه مع أخيه بركيارق قد اعتزم على المسير إلى الموصل ليتناولها من يد جكرمش لما كانت من البلاد التي عقد عليها وكان بتبريز ينتظر وصول أصحابه من أذربيجان فلما وصلوا استوزر سعد الملك أبا المحاسن لحسن أثره في حفظ أصبهان ثم رحل في صفر سنة ثمان وتسعين يريد الموصل وسمع جكرمش فاستعد للحصار وأمر أهل السواد بدخول البلد وجاء محمد فحاصره وبعث إليه كتب أخيه بأن الموصل والجزيرة من قسمته وأراه إيمانه بذلك ووعده بأن يقره على ولايتها فقال جكرمش: قد جاءتني كتب بركيارق بعد الصلح بخلاف هذا فاشتد محمد في حصاره وقتل بين الفريقين خلق ونقب السور ليلة فأصبحوا وأعادوه ووصل الخبر إلى جكرمش بوفاة بركيارق عاشر جمادى فاستشار أصحابه ورأى المصلحة في طاعة السلطان محمد فأرسل إليه بالطاعة وأن يدخل إليه وزيره بعد الملك فدخل وأشار عليه بالحضور عند السلطان فحضر وأقبل السلطان عليه ورده لجيشه لما توقع من ارتياب أهل البلد بخروجه وأكثر من الهدايا والتحف للسلطان ولوزيره ولما بلغ وفاة أخيه بركيارق سار إلى بغداد ومعه سقمان القطبي نسبة إلى قطب الدولة إسمعيل بن ياقوتا بن داود وداود هو حقربيك وأبو ألب أرسلان وسار معه جكرمش وصاحب الموصل وغيرهما من الأمراء وكان سيف الدولة صاحب الحلة قد جمع عسكرا خمسة عشر ألفا من الفرسان وعشرة آلاف رجل وبعث ولديه بدران ودبيس إلى السلطان محمد يستحثه على بغداد ولما سمع الأمير أياز بقدومه خرج هو وعسكره وخيموا خارج بغداد واستشار أصحابه فصمموا على الحرب وأشار وزيره أبو المحاسن بطاعة السلطان محمد وخوفه عاقبة خلافه وسفه آراءهم في حربه وأطمعه في زيادة الأقطاع وتردد أياز في أمره وجمع السفن عنده وضبط المثار ووصل السلطان محمد آخر جمادى من سنة ثمان وتسعين ونزل بالجانب الغربي وخطب له هنالك ولملك شاه بالجانب الشرقي واقتصر خطيب جامع المنصور على الدعاء للمستظهر ولسلطان العالم فقط وجمع أياز أصحابه لليمين فأبوا من المعاودة وقالوا لا فائدة فيها والوفاء إنما يكون بواحدة فارتاب أياز بهم وبعث وزيره المصفى أبا المحاسن إلى السلطان محمد في الصلح وتسليم الأمر فلقي أولا ويزره سعد الملك أبا المحاسن سعد بن محمد وأخبر فأحضره عند السلطان محمد وأدى رسالة أياز والعذر عما كان منه أيام بركيارق فقبله السلطان وأعتبه وأجابه إلى اليمين وحضر من الغد القاضي والنقيبان واستحلف الكيا الهراسي مدرس النظامية بمحضر القاضي وزير أياز بمحضرهم لملك شاه ولأياز وللأمراء الذين معه فقال: أما ملك شاه فهو ابني وأما أياز والأمراء فأحلف لهم إلا ينال بن أنوش وسار واستحلفه الكيا الهراسي مدرس النظامية بمحضر القاضي والنقيبين ثم حضر أياز من الغد ووصل سيف الدولة صدقة وركب السلطان للقائهما وأحسن إليهما وعمل أياز دعوة في داره وهي دار كوهرابين وحضر عنده السلطان وأتحفه بأشياء كثيرة منها حبل البلخش الذي كان أخذه من تركة مؤيد الملك بن نظام الملك وحضر مع السلطان سيف الدولة صدقة بن مزيد وكان أياز قد تقدم إلى غلمانه بلبس السلاح ليعرضهم على السلطان وحضر عندهم بعض الصفاعين فأخذوا معه في السخرية وألبسوه درعا تحت قميصه وجعلوا يتناولونه بأيديهم فهرب منهم إلى خواص السلطان ورآه السلطان متسلحا فأمر بعض غلمانه فالتمسوه وقد وجدوا السلاح فارتاب ونهض من دار أياز ثم استدعاه بعد أيام ومعه جكرمش وسائر الأمراء فلما حضر وقف عليهم بعض قواده وقال لهم أن قليج أرسلان ابن سليمان بن قطلمش قصد ديار بكر ليملكها فأشيروا بمن نسير لقتاله فأشاروا جميعا بالأمير أياز وطلب هو مسير سيف الدولة صدقة معه فاستدعى أياز وصدقة ليفاوضهم في ذلك فنهضوا إليه وقد أعد جماعة من خواصه لقتل أياز فلما دخلوا ضرب أياز فقطع رأسه ولف شلوه في مشلح وألقي على الطريق وركب عسكره فنهبوا داره وأرسل السلطان لحمايتها فافترقوا واختفى وزيره ثم حمل إلى دار الوزير سعد الملك وقتل في رمضان من سنته وكان من بيت رياسة بهمذان وكان أياز من مماليك السلطان ملك شاه وصار بعد موته في جملة أمير آخر فاتخذه ولدا وكان شجاعا حسن الرأي في الحرب واستبد السلطان محمد بالسلطنة وأحسن السيرة ورفع الضرائب وكتب بها الألواح ونصبت في الأسواق وعظم فساد التركمان بطريق خراسان وهي من أعمال العراق فبعث أبو الغازي بن أرتق شحنة بغداد بدل ابن أخيه بهرام بن أرتق على ذلك البلد فحماه وكف الفساد منه وسار إلى حصن من أعمال سرخاب بن بدر فحصره وملكه ثم ولى السلطان محمد سنقر البرسقي شحنة بالعراق وكان معه في حروبه وأقطع الأمير قاياز الكوفة وأمر صدقة صاحب الحلة أن يحمي أصحابه من خفاجة ولما كان شهر رمضان من سنة ثمانية وتسعين عاد السلطان محمد إلى أصبهان وأحسن فيهم السيرة وكف عنهم الأيدي العادية.